سياسيةتحليلات إقتصادية ومالية

الصين مُستعدة جيداً لرئاسة دونالد ترامب الثانية في الولايات المتحدة

عندما وصل المرشح عن الحزب الجمهوري، لأول مرة، دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، قبل ثماني سنوات، رد القادة الصينيون المتوترون على التعريفات الگمرگية و خطابه الناري ضد الصين، بقوة، مما أدى إلى إطلاق حرب تجارية أثرت على العلاقات بين أكبر إقتصادات العالم، إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات.

هذه المرة، كانت الحكومة الصينية تستعد لعودة دونالد ترامب من خلال تعميق العلاقات مع الحلفاء، و تعزيز الإعتماد على الذات في مجال التقنية، و تخصيص الأموال لدعم الإقتصاد، الذي أصبح الآن أكثر عرضة للتعريفات الگمرگية الجديدة التي هدد بفرضها دونالد ترامب بالفعل.

في حين أن بعض الردود الإنتقامية من قبل الصين بسبب هذه الوعود من دونالد ترامب قد يكون أمرًا لا مفر منه، فإن الصين ستركز على إستغلال الخلافات بين الولايات المتحدة و حلفائها، كما يقول الخبراء، حيث تهدف إلى خفض التوتر للمساعدة في التوصل إلى إتفاق مُبكر مع الولايات المتحدة لتخفيف الأثر عن الحرب التجارية.

قال تشاو مينغهاو Zhao Minghao، خبير العلاقات الدولية في جامعة فودان Fudan في شنغهاي، لوكالة رويترز:

“إن الصين ربما لن تكرر نفس الأسلوب السابق خلال رئاسة دونالد ترامب الأولى، عندما كان رد الفعل قويًا للغاية على تحركاته بشأن التعريفات الگمرگية”

أشار لوكالة رويترز، إلى رسالة الرئيس الصيني شي جن پنغ إلى دونالد ترامب يوم الخميس، والتي دعا فيها الرئيس الصيني إلى “التعاون” وليس “المواجهة”، مؤكدا على العلاقات “المُستقرة، السليمة و المستدامة”.

وقال لوكالة رويترز:

“ترامب ليس غريبا على الصين في هذا الوقت، سترد الحكومة الصينية بطريقة مدروسة، وتبذل الجهود للتواصل مع فريق ترامب”.

في حين أصبحت شركات التقنية الصينية أقل إعتمادا الآن على الواردات الأمريكية، فإن الإقتصاد – الذي تضرر من أزمة عقارية هائلة، و المثقل بديون غير مُستدامة – في وضع أضعف مما كان عليه في عام 2016، ويعاني الإقتصاد الصيني من أجل تحقيق نمو بنسبة 5٪ مقارنة بـ 6.7٪ آنذاك.

ولجعل الأمور أسوأ بالنسبة للصين، تعهد دونالد ترامب بإنهاء وضع الصين كدولة الأكثر تفضيلا في التجارة، و فرض رسوم گمرگية على الواردات الصينية تتجاوز 60٪ – أعلى بكثير من تلك التي فرضت خلال ولايته الأولى.

قال تشاو مينغهاو Zhao Minghao، خبير العلاقات الدولية في جامعة فودان Fudan في شنغهاي، لوكالة رويترز:

“إن الحكومة الصينية قد حسمت هذا الخيار، لكنها تتوقع أن تكون التعريفات الگمرگية أقل من المستوى الذي تعهد به دونالد ترامب خلال الحملة الإنتخابية، لأن هذا من شأنه أن يدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى الإرتفاع بشكل كبير”.

مع ذلك، فإن هذا التهديد وحده أثار قلق المنتجين في أكبر دولة مصدرة في العالم، لأن الصين تبيع سلعًا بقيمة تزيد عن 400 مليار دولار سنويًا للولايات المتحدة، ومئات المليارات الأخرى في أجزاء للمنتجات التي يشتريها الأمريكيون من أماكن أخرى.

قال لي مينجيانج Li Mingjiang، الباحث في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية Rajaratnam School of International Studies، في سنغافورة، لوكالة رويترز:

“نتيجة لذلك، قد يتطلب الإقتصاد الصيني المزيد من التحفيز، أكثر من 1.4 تريليون دولار المتوقعة يوم الجمعة”

و أضاف:

“ستكون ضربة خطيرة للغاية للتجارة الدولية للصين، و التي ستؤثر على الوظائف وإيرادات الحكومة، و ربما يتعين على الصين التوصل إلى حزمة تحفيز أكبر بكثير محليًا”.

لتعزيز التجارة العالمية، شنت الصين حملة دبلوماسية، حيث عززت التحالفات، أصلحت الخلافات مع الأعداء، و أستمرت في المحادثات الصعبة مع الإتحاد الأوروبي، حتى بعد أن فرض الاتحاد رسوما گمرگية صارمة على المركبات الكهربائية الصينية.

في الشهر الماضي، أنهت الصين مواجهة عسكرية دامت أربع سنوات مع الهند على حدودهما المتنازع عليها، وفي أب/أغسطس 2024، حلت خلافا دام عامين مع اليابان بشأن تصريف المياه المُشعة من محطة فوكوشيما النووية، كذلك زار رئيس الوزراء لي تشيانغ أستراليا في حزيران/يونيو 2024 ــ وهي أول رحلة من نوعها منذ سبع سنوات.

و كذلك، في الشهر الماضي، حضر كل من الرئيس الصيني، ورئيس الوزراء الصيني، بشكل منفصل، قمم مجموعة البريكس ــ التي تمثل الآن 35% من الإقتصاد العالمي ــ و منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم عشر دول، في حين تعمل الصين على تعميق علاقاتها مع الجنوب العالمي.

قال إريك أولاندر Eric Olander، رئيس تحرير مشروع الصين والجنوب العالمي China-Global South Project، لوكالة رويترز:

“لم تُظهِر إدارة ترامب الأولى الكثير من الإهتمام بالمشاركة القوية مع الدول في أفريقيا، أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وهو ما وفر للصينيين الكثير من الحرية للعمل في هذه الأسواق دون منافسة إلى حد كبير”.

في أوروبا، قد تتوازن التوترات التجارية مع الصين بسبب المخاوف بشأن الدور المُحدود المحتمل لدونالد ترامب في حرب أوكرانيا وسياساته الإقتصادية، مما يخلق فرصة للحكومة الصينية، كما يقول بعض الخبراء.

قال جان بيير كابيستان Jean-Pierre Cabestan، الخبير في الجامعة المعمدانية في هونغ كونغ، لوكالة رويترز:

“ستستمر الصين في التواصل مع الأوروبيين، البريطانيين، الأستراليين وحتى اليابانيين، ليس فقط لمحاولة خلق خلاف كبير بين الولايات المتحدة و دول الشمال، ولكن كجزء من مهمتها لإعادة التوازن إلى تجارتها الخارجية لصالح الجنوب العالمي”.

خلال الحرب التجارية الأولى، حَظر دونالد ترامب صادرات التقنية الفائقة إلى الصين، وفرض عقوبات على شركات بما في ذلك أكبر شركة لصناعة الرقائق في الصين SMIC، مما دفع قطاع التقنية لديها إلى التركيز على الداخل و الإكتفاء الذاتي.

قال ونستون ما Winston Ma، المدير الإداري السابق لمؤسسة الإستثمار الصينية (CIC)- China Investment Corporation، وهو يمث صندوق الثروة السيادية الصيني، لوكالة رويترز:

“إن المحفز الرئيسي لهذا التحول كان حَظر دونالد ترامب على بيع المكونات لشركة الإتصالات الصينية ZTE في عام 2018، و كان ذلك مخيفًا حقًا من منظور الصين، لذلك بدأوا في الإستعداد، و كانت بداية هذا النوع من التفكير الدفاعي”.

بعد فترة وجيزة، حث الرئيس الصيني، البلاد على تعزيز الإعتماد على الذات في العلوم والتقنية، ودفع الصين إلى بناء صناعات متقدمة، بما في ذلك الذكاء الإصطناعي و الفضاء.

وكان النتيجة، لهذا الطلب من الرئيس، كان قبل ثماني سنوات لدى الصين أربعة مشاريع مشتريات حكومية فقط بقيمة تزيد عن 1.4 مليون دولار، لتحل محل الأجهزة والبرامج الأجنبية ببدائل محلية، وصل هذا العدد إلى 169 مشروعًا من هذا القبيل، هذا العام، وفقًا للبيانات التي أطلعت عليها وكالة رويترز.

على الرغم من هذه الخطوات، فإن شركات تصنيع الرقائق تشعر بالتأكيد بالتضييق – فهذه الشركات الصينية لا تستطيع التوريد للعملاء العالميين، و لا يمكنها الوصول إلى أحدث الرقائق“، بحسب ما تحدث به ونستون ما لوكالة رويترز.

قالت نازاك نيكختار Nazak Nikakhtar، وهي مسؤولة بوزارة التجارة في عهد دونالد ترامب وتعرف مستشاريه، إنها تتوقع أن يكون أكثر عدوانية بشأن سياسات مراقبة الصادرات تجاه الصين!

وتوقعت توسعًا كبيرًا في قائمة الكيانات (العقوبات)، التي تقيد الصادرات إلى أولئك الموجودين عليها لإستقطاب الشركات التابعة والشركاء التجاريين للشركات المدرجة.

قال ونستون ما، لوكالة رويترز:

“إن القيود سيكون لها تأثير لبعض الوقت مع توسيع الولايات المتحدة لنظام العقوبات على الموردين في الخارج، و أعتقد أن النتيجة النهائية هي أن السنوات القادمة هي الأكثر أهمية لهذا التنافس التقني بين الولايات المتحدة والصين”.

أقرأ المزيد

المقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

عذراً، لايمكن نسخ المحتويات